تعد القدرة على تقييم مستوى الوعي الذاتي لدى شخص ما أمراً بالغ الأهمية
في كل مجال من مجالات الحياة تقريباً (من الأعمال التجارية إلى المواعدة و
أمور السياسة) .
و ذلك لأنه بدون الوعي الذاتي ، من غير المحتمل أن يكون لدى الشخص
مستويات عالية من النضج العاطفي، ويجب أن تكون الآثار السيئة لمواعدة أو
لتوظيف أو انتخاب شخص يفتقر إلى النضج العاطفي واضحة بما فيه الكفاية.
و إذا كنت عزيزي القارئ ترغب في تطوير قدراتك الضعيفة في وعيك الذاتي ،
فما عليك إلا أن تدرّب نفسك على كيفية البحث عن هذه العلامات الست
التالية:
1. عدم الاعتراف بالأخطاء:
غالباً ما يكون عدم الرغبة في الاعتراف بالأخطاء، هو علامة على انعدام الشعور العميق بالأمان .
فعندما لا يستطيع شخص ما الاعتراف حتى بالأخطاء الصغيرة التي تصدر منه ،
فهذا دليل على شعوره بالخوف على نحو كبير و انعدام الثقة. ولكن ولسوء الحظ
، فإن نفس الخوف من المراقبة الخارجية يجعلهم أيضاً يخافون حتى من مجرد
فكرة التفكير والتأمل الذاتي.
و من الصعب أن تكون مدركاً لذاتك بشكل كبير إذا كنت شخصاً سريع التأثر بالنقد الموجه إليه.
و من ناحية أخرى ، فإن القدرة على الاعتراف بالأخطاء يشير إلى الصحة
العقلية والنضج العاطفي لدى الشخص. و من المفترض أن تكون لديك البصيرة
الكافية لفهم الفكرة التي تقول بأن الأخطاء جزء منا، إلا أنها لا تحدد من
نكون.
و لكي تصبح أكثر وعياً بالذات، فإن هذا يتطلب الشجاعة الكافية لأن تكون شخصا يتقبل النقد حيال ما يقوم به من أخطاء.
و في نهاية المطاف ، دعني أطرح عليك السؤال التالي : كيف يمكنك أن ترى ما في داخلك إذا كنت لا ترغب في التحقق من ذلك؟
تقول ريتا ماي براون Rita Mae Brown :
” إن الحكم الجيد يأتي من التجربة ، والخبرة تأتي من الحكم السيئ.”.
2. انتقاد الآخرين:
قد يبدو الأمر جيداً عندما يتعلق بانتقاد الآخرين .على الأقل في الوقت الحالي :
- عندما ينتقد شخص ما شخصاً آخر لقوله شيئاً غير صحيح، فهذا يعني ضمنياً أنهم أذكياء إلى حد ما، الأمر الذي يبعث على الارتياح .
- عندما ينتقدون ذوق شخص ما في الأسلوب أو في النواحي الجمالية، فإن ذلك
يشير ضمنياً إلى أنهم متطورون، الأمر الذي يبعث على الارتياح أيضاً .
و لكن ماذا يقال عن شخص ما إذا كانت لديه مثل هذه الحاجة القوية للشعور
بالرضا عن نفسه لدرجة أنه يتعين عليه انتقاد الآخرين للتمكن من الشعور
بالرضا عن نفسه؟
عندما تحاول باستمرار أن تشعر بالرضا عن نفسك ، عندها لن يكون هناك متسع من الوقت للتعرف حقيقة على نفسك.
إلا أن المأساة الحقيقية للإفراط في النقد تكمن في تكلفة الفرصة البديلة :
فكل هذا الوقت و الجهد المبذولين في محاولة تعزيز احترام الذات غالباً
ما يأتي على حساب القدرة في القيام بالعمل الشاق المتمثل في تعلم المزيد عن
الذات والتأمل الذاتي.
و بالتالي فإن نقد الآخرين على حد قول فولتون ج. شين Fulton J. Sheen :
” هو شكل منحرف من أشكال محاولة الثناء على الذات. حيث نعتقد أننا نحسن
من وضع الصورة الخاصة بنا على الحائط بإخبار رفاقنا أن جميع صورهم غير
معتدلة”.
3. تجنب اتخاذ القرارات الصعبة :
أن تكون متردداً بشكل مستمر يعني في الغالب الشعور بانعدام الثقة و الخوف من الحكم عليك أو ارتكاب خطأ معين.
لكن كيف يرتبط ذلك بالوعي الذاتي بالضبط ؟
حسناً ، يميل الأشخاص المدركون لذاتهم إلى إجراء الكثير من التجارب
النفسية. فبدلاً من مجرد القبول الأعمى لفكرة أن الآخرين سيعتقدون أنني
أحمق إذا تكلمت وعبّرت عن رأيي ، فإنهم يختبرونها.
كما يستخدم الأشخاص المدركون لذاتهم بشكل جيد البيانات الفعلية ، وليس النظريات ، لاختيار أفعالهم التي يقومون بها.
و من ناحية أخرى، عندما يفتقر الناس إلى الوعي الذاتي ،فإن ذلك غالباً ما يعني أنهم يقبلون ما تفرضه عليه عقولهم ببساطة :
- سيغضب منك إذا اقترحت مشاهدة فيلم رومنسي ، لذلك من الأفضل أن نشاهد الفيلم الذي اقترحه هو.
- أنا لا أشعر بالحماس الكافي حيال ذلك. سأقوم بإنجازه غداً.
و عندما يتجنب الناس بشكل مزمن القرارات الصعبة من خلال التصرف بسلبية
تجاه تلك القرارات أو المماطلة في اتخاذها على سبيل المثال ، فإن ذلك
غالباً ما يكون علامة على أنهم غير مستعدين حقاً للنظر إلى عقولهم بطريقة
موضوعية.
و إذا لم يتمكنوا من فعل ذلك ، فسيصبحون عبيداً لأي فكرة أو شعور عابر يطرق عقولهم.
يقول بنجامين فرانكلين Benjamin Franklin :
” قد تستطيع التأجيل كما تشاء، ولكن الوقت لن يفعل ذلك .”
4. الغموض بشأن مشاعرهم:
قد يبدو هذا الأمر بسيطاً، إلا أن وجود عادة وصف المشاعر بطرق شديدة الغموض غالباً ما تكون له تأثيرات كبيرة:
- القول بأنني مستاء فقط هو أقل اثارة للمخاوف من قول أنني أشعر بالحزن.
- القول بأنني متوتر فقط يبدو أسهل من القول إنني غاضب الآن حقاً .
و لكن هذه هي حقيقة الأمر …
فعندما تتجنب التعبير عن مشاعرك ، فإنك توحي إلى عقلك أنها خطيرة و سلبية.
و إذا كان شخص ما يهرب باستمرار من شيء ما – حتى من مشاعره – فلا ينبغي
أن يكون شيئاً مفاجئاً له عندما يفسر عقله هذا الشيء على أنه أمر خطير
فعلاً.
و من ناحية أخرى ، يدرك الأشخاص الذين يمتلكون وعياً ذاتياً أن مجرد
الشعور بأن أمراً ما قد يبدو سيئاً لا يعني أن ذلك أمر سيئ حقيقة.
مما يعني أنه من المرجح أن يستخدموا لغة واضحة بدلاً من المصطلحات الفكرية أو الآليات الغامضة بشكل زائد عن الحد لوصف شعورهم.
يقول – وليام فولكنر William Faulkner :
“لا يمكنك السباحة بحثاً عن آفاق جديدة حتى تتحلى بالشجاعة لتبتعد عن الشاطئ.”
5. القلق بشأن المستقبل :
يعرف القلق على أنه حل المشكلات الذي يتم
تطبيقه على شيء ما في المستقبل ، إما لأنه ليس مشكلة أو أنه مشكلة لا
يمكنك حلها في الوقت الحالي. أي و بعبارة أخرى ، القلق هو تفكير غير منتج
بشأن المستقبل.
و مشكلة التفكير غير المثمر هو أنه يؤدي إلى كل الآثار السلبية وليس له
آي فائدة تذكر. حيث ينتج عن القلق الكثير من الضغط و التوتر و لكنه لا يحل
أي شيء في الواقع.
فلماذا يفعل الكثير من الناس ذلك بصورة مستمرة؟ و لماذا تقلق عندما تكون التكلفة كبيرة جداً والفائدة بسيطة جداً؟
يمكننا القول و باختصار ، لأن الناس يفتقرون إلى الوعي الذاتي الكافي.
فمن المحتمل أنهم لا يأخذون الوقت الكافي للتفكير بصدق في حقيقة القلق و كيف يناسب (أو لا يناسب) حياتنا.
إذ غالباً ما يبدأ عقلهم بالقلق ويتفقون معه في ذلك ، دون التوقف للتحقق من الأمر والنظر إليه والتساؤل بشغف حول حقيقته.
و بالطبع فإن القول أسهل من الفعل . و لكن كلما كان الشخص أكثر
استعداداً للنظر حقاً في قلقه والتعرف عليه بصدق ، كلما زاد احتمال تجنبه.
يقول – ماركوس أوريليوس Marcus Aurelius :
“لا تدع المستقبل يزعجك. لأنك حتماً ستقابله ، و إذا كان عليك ذلك، فقابله بنفس الأسلحة العقلية التي يسلحك بها اليوم ضد الحاضر “.
6. التفكير بصورة مفرطة في الماضي :
تماماً مثل القلق من التفكير غير المثمر في المستقبل ، فإن الإفراط في التفكير في الماضي هو تفكير غير مثمر و لكن في الماضي.
فعندما يقضي الناس الكثير من الوقت في التفكير في أخطاء الماضي أو
الخسائر أو الإخفاقات التي تعرضوا لها، فقد يؤدي ذلك إلى معاناة نفسية
هائلة دون أي تحسن على الإطلاق.
ذلك أنه و بدون درجة عالية من الوعي الذاتي ، سيكون من السهل الوقوع
في دوامات الماضي ، لأنه في الوقت الحالي ، قد يبدو الأمر جيداً.
“التفكير يعطي أوهام السيطرة”.
وعندما لا يتمتع الناس بالوعي الذاتي الكافي و النضج العاطفي اللازم
لمواجهة عدم القدرة على التحكم في الماضي ، فإن استدعاء ذلك يجعلهم يشعرون
(ولو مؤقتاً) كما لو كان لديهم بعض السيطرة.
كما أنه و عندما يفتقر الناس إلى الوعي الذاتي من خلال ميلهم إلى الرغبة
في التحكم في الأشياء حتى عندما يكون ذلك مستحيلاً، فإن ذلك يؤدي في كثير
من الأحيان إلى عادة التفكير ملياً في الماضي وجميع الآثار السلبية
المصاحبة لذلك .
و تشمل تلك الآثار السلبية المتعلقة بالتفكير المستمر في أخطاء الماضي:
- الخزي المفرط
- الشعور بالذنب
- الحزن
- انتقاد الذات
- الندم
كلمة اخيرة …
عزيزي القارئ : فكر في أخطاء و خسائر الماضي.. و اقبلهم. و لكن لا تجترها مراراً و تكراراً .
يقول روي تي بينيت Roy T. Bennett :
“إذا كنت تريد أن تكون سعيداً حقاً ، فلا تسهب في التفكير في
الماضي ، ولا تقلق بشأن المستقبل ، وركز على العيش بشكل كامل في الوقت
الحاضر.”
https://m.janatna.com