لطالما اعتقدت أن المال كان أولويةً بالنسبة لي. ومن ثمَّ أدركت أن الأمر ليس كذلك.
أنا أحب المال. و أنت عزيزي القارئ : ألا تحبه أنت؟
إنني في أوائل الثلاثينيات من عمري، وقبل عامين، قررت تغيير مساري الوظيفي.
من مجال الصحافة ذات الأجور المنخفضة، إلى تكنولوجيا المعلومات.فعندما
يسمع الناس “وظائف تكنولوجيا المعلومات”، فإنهم يفترضون في الحال أنك غني.
و قد وجب التنويه هنا : أنني لست كذلك.
إذ أنني ما زلت في المراحل الأولى من مسيرتي المهنية في مجال تكنولوجيا
المعلومات، و لكنني لن أكذب: فقد كان أكبر دافع في قراري هو المال.
و قد كنت أعلم أنه بعد الفترة الانتقالية الأولية، سيمكنني الحصول على راتب أعلى بكثير.
نعم ، لقد أردت المال. وهذا حالنا جميعاً .
و لكنني أردت المال ليس لشراء الأشياء، وإنما لشراء الحرية. للسفر. للسفر أكثر. وأكثر.
فالسفر هو الشيء المفضل لدي في الحياة. و قد ذهبت إلى جميع أنحاء أوروبا تقريباً، لكنني أريد المزيد، أريد ما هو أبعد من ذلك.
و كنت دائماً بحاجة إلى المزيد من المال لأنني كنت أرغب دائماً في السفر أكثر. أو هكذا اعتقدت.
و قد جعلني في الآونة الأخيرة، شيئان أدرك أنني، حقاً، لم أكن أبحث عن المال أبداً. وأن هناك شيئاً آخر يدفعني.
الإدراك الأول : تسعدني السعادة أكثر مما يفعل المال
إنني برتغالي الأصل، و لكن خلال العامين الماضيين، كنت أعيش في بودابست.
و للذين لا يعرفون منكم أين تقع المجر: فهي تقع في وسط شرق أوروبا.
ولأولئك الذين لا يعرفون ماذا يعني ذلك: فهو يعني رواتب منخفضة.
عندما تفشت جائحة كورونا، عدت إلى موطني البرتغال مؤقتاً لقضاء هذه الفترة مع عائلتي.
حيث سألني هناك جميع أصدقائي تقريباً عما إذا كنت أخطط للعودة إلى بودابست. و قد دفعني هذا للتفكير حقاً …
كما قلت سابقاً، أنا أعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات.
وهذا يعني أنه بإمكاني على الأرجح الحصول على وظيفة في أي مكان أريده. مثل أوروبا الغربية، على سبيل المثال.
و إذا انتقلت إلى فرنسا أو المملكة المتحدة أو سويسرا، فقد يكون راتبي أعلى بثلاث مرات مما أحصل عليه في المجر.
إن الأمر مغرٍ، أليس كذلك؟
و كان هذا هو الوقت الذي أدركت فيه … لكم سيكون المال سهلاً بهذه الطريقة. بيد أنني لا أريد ذلك. لا أريد.
و طوال الوقت كان الناس يسألونني عن سبب انتقالي من أوروبا الغربية
إلى المجر.و قد كان جوابي بسيطاً وصريحاً : إنني أحب هذه المدينة.
فلقد عشت في لشبونة وباريس ولندن. وحصلت على وظائف جيدة في بعض أشهر عواصم أوروبا.
و لكن خمن ماذا … لم أعش في مكان جعلني سعيداً قط مثل بودابست. ولم أمتلك أبداً وظيفة مرضية بهذا الشكل مثل وظيفتي الحالية.
لذا ، فأنا سعيد في بودابست. وبالنسبة لي، إنها أروع مدينة في أوروبا، وسأعيش هنا!
و لا يوجد مال في العالم يمكنه شراء ذلك. فالسعادة تجعلني أسعد حالاً من المال.
الإدراك الثاني: الإثارة أكثر إثارة من المال
لقد ذكرت أنني غيرت مهنتي مؤخراً.
و قد عملت قبل ذلك، في الصحافة لمدة عقد تقريباً. فهو مجال مثير، بيد أن المال ليس أفضل ما فيه.
و لا تسيئوا فهمي؛ فقد امتلكت دوماً أكثر مما يكفيني.
لكن كان بوسعي دائماً فعل المزيد.
فبعد كل شيء، كانت هناك جميع تلك الأماكن التي كان بوسعي زيارتها، وكل تلك الرحلات التي كان يمكنني القيام بها.
لذلك، و لمدة عشر سنوات، كانت تسيطر عليّ دائماً صراعات جانبية مزعجة. أمدّني بعضها بالمال والبعض الآخر بألم الرأس.
إلا أنني لا أتذكر كيف كانت حياتي وأنا أعمل بوظيفة من الساعة التاسعة صباحاً إلى الخامسة عصراً.
و في الحقيقة، لم تكن هناك حياةٌ قط. لذا ، لطالما أردت المزيد. وخلال كل هذا الوقت، كنت أعتقد دائماً أن حافزي الرئيسي كان المال.
و عندما بدأ الوباء، قبل شهرين، تخلصت من واحدة من صراعاتي الجانبية الثابتة.
حيث كان شيئاً كنت أفعله بلا توقف لمدة خمس سنوات، ويوفر لي مصدر دخل جيد للغاية.
و لكن هل تعرفون ماذا كان ذلك أيضاً؟ كان شيئاً لم أعد أستطع تحمله أبداً.
فقد سئمت من هذا العمل، وكل مهمة كان عليّ القيام بها كانت تُشعرني بالتعذيب.
و كنت أفكر في تقديم استقالتي لفترة من الوقت.
إلا ان المال كان يغريني في كل مرة. لذلك، بقيت دائماً في مكاني. حتى تغير العالم واتخذ هذا القرار من أجلي. وهكذا كانت النهاية.
وبذلك خسرت حوالي ثلث دخلي.
ويا للهول، خسرت كذلك الرحلات التي يمكنني القيام بها بهذا المال!
و بعد ذلك، فعلت ما كنت أفعله دائماً. حيث أنني ألقيت بنفسي في تحدي جديد.
و قررت أن أكتب لموقع ميديوم Medium، وتمنيت أن أحصل على دخل لائق بما يكفي بعد بعض الوقت والعمل الجاد.
و بعد شهرين، أصبح متوسط دخلي أقل بـ 20 مرة من وظيفتي السابقة المزعجة.
إلا أنني أصبحت كذلك أكثر حماسةً وأقل توتراً بـ 20 مرة عما كنت عليه من قبل.
إنني أحب عملية الكتابة، وأغفو و أنا أفكر في أفكار المقالات. وأستيقظ متحمساً للتحقق من إحصائيات اليوم السابق.
و بهذا أدركت … أن هذه الصراعات الجانبية لم تكن تهاجمني أبداً من أجل المال.
و إنما لتدفعني للبحث عن المتعة، و لإتاحة الفرصة لتحدي نفسي، ولتذوق طعم النصر الحلو مع كل فوز صغير. و لذا ، نعم، الإثارة أكثر إثارة من المال.
كلمة أخيرة …
هل تعلم عندما يسألك الناس عما إذا كنت ستؤدي وظيفتك مجاناً؟
و يتوقعون منك أن تقول نعم لأنك تحبها كثيراً؟ و سأقول : حسناً، أنا أحب عملي، و لكنني لن أقوم به مجاناً.
هل تعرف لماذا؟ لأنني بحاجة إلى مكان لأعيش فيه، وطعام لأتناوله، وملابس لأرتديها.
كما أنني أحتاج إلى رحلاتي ، على الأقل بين الحين والآخر.و أحتاج ألا أقلق طوال الوقت بشأن تغطية نفقاتي.
لذلك، عندما أقول إن المال ليس من أولوياتي، فهذا لأنني أعيش حياة مريحة بدرجة كافية.
وجميع احتياجاتي الأساسية متوفرة. فإذا كنت تمتلك احتياجاتك الأساسية
أيضاً، ومازلت تسعى وراء المال، فأنا أحثك على النظر بشكل أعمق.
و اسأل نفسك هنا : هل المال حقاً هو ما تسعى وراءه؟ أم أن هناك شعوراً معيناً؟ مثل الشعور بالإنجاز؟ وبالمثالية؟
و في نهاية المطاف ، فإنه و في بعض الأحيان، يحتاج العالم لأن ينقلب
رأساً على عقب حتى نرى الأشياء من منظور جديد. و أنا أتمنى أن تجد إجاباتك.
https://m.janatna.com