” إن لم تكن قد أعطيت الناس نفسك ، فأنت لم تعطهم شيئاً “، هذه العبارة هى أول ما يستقبلك عند دخولك أحد أغرب متاحف العالم ، متحف نجيب محفوظ للأجنة المشوهة بمستشفى قصر العيني .
متحف الأجنة المشوهة |
لا
بد أنك لاحظت التطابق فى الإسم بين صاحب المتحف الدكتور نجيب محفوظ
والأديب العالمى الحائز على جائزة نوبل نجيب محفوظ ، وتسأل: ما علاقة الأدب
بالطب؟ وهل هناك صلة بين الرجلين؟
الإجابة “نعم” هناك صلة قوية فقد أنقذ الطبيب حياة الأديب !! وإليك القصة:
فى
عام 1911م تعسرت أم نجيب محفوظ فى ولادته مما جعل والده يستدعى الطبيب
نجيب محفوظ باشا الذى نجح فى إنقاذ الأم والطفل، فقاده العرفان للطبيب أن
يطلق اسمه على ابنه ليصبح نجيب محفوظ (اسم مركب).
أما
الطبيب نجيب محفوظ باشا، كما هو مدون فى المتحف أسفل صورته، فقد ولد سنة
1882م فى مدينة المنصورة وتخرج فى “قصر العيني” واشتغل طبيب تخدير فى
السويس والإسكندرية وتوفى عام 1974.
تمثال الدكتور نجيب باشا محفوظ |
وخلال
عمله ساعد فى كثير من عمليات الولادة وهنا لاحظ أن نسبة الوفيات أثناء
الولادة كبيرة جدا! لأنه فى تلك الفترة لم يكن متاح العمليات القيصرية ولا
هناك أى نوع من التطور فى عمليات الولادة، فتعاطف مع السيدات اللواتى يعشن
هذه المعاناة أثناء الولادة، وعندما لاحظ حالات الوفيات الكثيرة، قرّر أن
يتخصص فى طب النساء والتوليد ويترك قسم التخدير، ومن هنا يبدأ مرحلة ونقلة
كبيرة فى حياته الطبية التى بعدها أصبح رائد طب النساء والتوليد فى تاريخ
مصر.
ولم يكن متوقعا أن تقبل السيدات على
الكشف عنده وفى السنة الأولى من عمله كطبيب فى السويس إستقبل أكثر من 810
حالة، وفى السنة الثانية وصلت الحالات لـ1310، وكان دكتور نجيب باشا محفوظ
يهوى تحنيط العينات من أجل إستخدامها كنماذج لتعليم وتدريس الطلبة والأطباء
أيضا، وفى ذلك الوقت كان إفتتاح قسم النساء بـ”قصر العيني” عام 1905.
أفتتح
المتحف عام 1932 فى قصر العينى الفرنساوي ووضع به العينات، وفى الخمسينيات
إنتقل قسم أمراض النساء بالكامل إلى مبنى مستشفى قصر العينى القديم.
ويعتبر
متحف تشوهات الأجنة فى مصر الأكبر والأكثر تخصصاً فى أمراض النساء فى
العالم، وهناك بلدان أغلقت هذا النوع من المتاحف لعدم قدرتها على إحداث أى
نوع من التطور العلمي، بالإضافة إلى عدم قدرتهم على حفظ الأجنة.
تم
تخصيص جزء من المتحف للأدوات الطبية المستخدمة فى الولادة فى ذلك الوقت،
والكتب الخاصة بالدكتور نجيب محفوظ وكرسى الولادة الذى كان يستعمله الطبيب
قديما وكتب الطب القديمة وحتى طرق التحنيط التى كان يستخدمها نجيب باشا
محفوظ، وكان هناك رجل مسئول عن المتحف اسمه “عم حنفي” يساعد الدكتور محفوظ
فى عمليات حفظ الأجنة المشوهة، وكان يحتفظ بسر التحنيط الذى يقوم به
الدكتور نجيب .
ويضم المتحف صور تاريخية
تعود لمائة عام بها الدكتور نجيب محفوظ والدكتور روى دوبين مع أعضاء قسم
أمراض النساء والولادة بمستشفى قصر العينى فى منتصف العشرينات، وصور تجمعه
مع أحفاده أثناء إجراء عمليات ولادة بالمستشفى القبطى، وفى مدخل المتحف تجد
تمثال منحوت للراحل الدكتور نجيب باشا محفوظ مدون به تاريخ الميلاد
والوفاة.
كما يضم المتحف البيريه الخاصة
بالدكتور نجيب محفوظ، وصورة نادرة له فى التسعينات من عمره بالإضافة إلى
بعض الروشتات التى كتبها بخط يده وكذلك بطاقة عضوية الدكتور نجيب باشا
محفوظ للجمعية الزراعية فى عام 1949.
وداخل ركن خاص بالمتحف تجد مقالات وصور تذكارية وكتب مؤلفات
الدكتور الراحل نجيب محفوظ تم نشرها فى المجلات العلمية العالمية، ودرع
جائزة نجيب باشا محفوظ لأمراض النساء والولادة المقدمة سنويا من قسم أمراض
النساء والولادة بالقصر العينى الجائزة السنوية مهداه من الدكتور شريف راشد
وقام بنحتها الدكتور أحمد المنياوى.
وإستطاع
الدكتور نجيب باشا محفوظ بجلب أوعية زجاجية خاصة من فرنسا لحفظ العينات
النادرة التى كان يجمعها فى عيادته الخاصة وذلك حتى تعينه فى المحاضرة
والشرح للطلاب ومع تزايد عدد العينات تم تخصيص مكان محدد لعرضها بالكلية
عام 1929 وبحلول عام 1932 كان دكتور محفوظ قد كون مجموعة كبيرة من اندر
العينات والتى قامة باهدائها كاملة إلى كلية طب القصر العينى وهكذا نشأ
متحف نجيب باشا محفوظ لأمراض النساء والتوليد.
وداخل
المتحف تجد منظار مثانة مسائل كان يستخدم فى القصر العينى وعلبة تحتوى على
السرنجات والإبر والخيوط الجراحية ترجع لأوائل الأربعينات، بالإضافة إلى
تحضير العينات الباثولجية اكنويت ضمن عدد خطوات حيث كان يتم نقع العينات
لمدة طويلة ليتم تحنيطها ثم كانت تركب فى أوعية زجاجية ، إستخدم خليط من
المواد الكيميائية فى عملية التحنيط والحفظ يتضمن البلسيرين والفورمالديهبد
وأسينات الصوديوم وحقيبة الطبيب والتى تحتوى على أدوات الولادة التى يرجع
تاريخها لأواخر القرن الـ19 والتى كان يتم إستخدامها فى الماضى للتعجيل
بالولادة.
ويضم المتحف قناع التخدير الذى تم
إختراعه فى عام 1890 وتم تصميم حافة لمنع الأثير من الوصول إلى وجه المريض
أثناء وضع الأثير على الشاش، ومقعد الولادة حيث تم إستخدام مقعد الولادة
منذ عهد الفراعنة كما هو موضح على الجداريات الهيروغليفية فى كوم امبو وحوض
الإستحمام لحديثى الولادة والذى صنع فى انجلترا بواسطة مايروفيليبس.
الأجنة
المعروضة فى هذا المتحف مفيدة للطلاب والباحثين حيث يتم تقديم خدمة لطلبة
كلية الطب عبارة عن QR كود لكل حالة من الحالات المتواجدة فى المعرض وبمجرد
أن يقوم الشخص بمسح الكود بواسطة الموبايل أو التابلت عن طريق الموقع
الخاص بمستشفى قصر العينى يظهر له تشخيص الحالة، وبعض حالات الأورام لها
فيديوهات مصورة داخل غرفة عمليات قصر العيني، إضافة إلى أن الأكواد موجودة
أيضا داخل كتاب قسم أمراض النساء والتوليد، فالطالب أثناء قراءة الفصل
الخاص بتشوهات التوأم يمكنه مسح الكود الخاص بالإناء الزجاجى الذى يحتوى
على تشوه ثلاثة توائم ومعرفة كافة تفاصيل الحالة على الفور من خلال هاتفه
المحمول وهو فى منزله، وهكذا الورم السرطانى للمبيض ومشاهدة فيديو عن
الأورام السرطانية فى المبيض وكيفية إكتشافها وتشخيصها، بالتالى الطبيب
قادر على تلقى معلومات ثمينة فى أى وقت ومن أى مكان.
هذه
الطريقة جعلت المتحف أكثر منفعة وأسهل فى توصيل المعلومات، بالإضافة إلى
غرفة المحاضرات الملحقة بالمتحف والتى تقدم فيها محاضرات يومية لحوالى 12
طالب نظراً لأنه ليس كل الطلبة يمتلكون هواتف ذكية .
قد
يتساءل البعض عن سبب عدم فتح هذا المتحف للجمهور، وإقتصاره على الطلاب
والباحثين فقط، فذلك يكون من الصعب جداً فتحه للجمهور فعائلات الذين تبرعوا
برفات أبنائهم لخدمة العلم لن يقبلوا أن يصبح أبناؤهم مادة للسخرية من
البعض، ولا أحد يعلم حتى الآن كيف إستطاع الدكتور نجيب أن يقنع هؤلاء
السيدات فى ذلك الوقت بالتبرع بجثث أبنائهم بدلاً من دفنها، وأخر عينة جاءت
للمتحف كانت منذ نحو 12 عاماً، وهو جنين عمره 8 شهور يطلق على حالته
“حورية البحر” حيث تكون أرجل الجنين ملتصقة ببعضها والكعبان بارزتين من
الخلف أشبه بالزعانف، وفى العالم كله لا يوجد سوى حالة واحدة عاشت بهذا
العيب الخلقي.
متحف نجيب باشا محفوظ للأجنة المشوهة بمستشفى قصر العينى مصر |
هذا
المتحف ليس الوحيد من نوعه فى العالم، ففى الدنمارك هناك متحف صغير وفى
أمستردام ولندن وفرنسا كذلك لكنها متاحف تفتقر إلى التطوير والتفاعل مثلما
يحدث فى متحف قصر العيني، الذى يعرض نحو 400 جنين مشوه بخلاف حوالى ثلاثة
آلاف قطعة أخرى من الأجنة المشوهة فى المخازن.
من
ناحية أخرى، ليس كل أطباء النساء والتوليد يمكنهم التعامل مع تشوهات
الأجنة فهناك متخصصون فى تشوهات الأجنة، وغيرهم متخصص فى عيوب ومشكلات
الجينات، ويكون إتخاذ قرار ولادة الطفل أو إجهاضه ناتجة عن مشاورة بين جميع
المختصين، أما بالنسبة لعلاج الأجنة داخل الأرحام فهناك حالات يتم علاجها
بالفعل وهى لا تزال داخل الرحم، وهناك حالة أجريت لها عملية جراحية هى
الأولى من نوعها فى مصر وكانت السيدة حاملاً فى توأم أحدهما لديه ورم فى
الرقبة يغلق القصبة الهوائية ويعيق التنفس ولم يكن هناك إمكانية لعلاجه بعد
الولادة لأن هذه العملية قد تستغرق أكثر من ربع ساعة، وإذا ظل الطفل بعد
الولادة أكثر من 3 دقائق من دون تنفس سيتوقف المخ تماما ويموت الطفل، فلم
يكن هناك حل سوى إجرائها بالتنسيق مع أطباء أمريكيين متمرسين فى هذا النوع
من العمليات.
https://m.janatna.com