تحتفل الطرق الصوفية بمصر والعالم بمولد الإمام ” الحسين بن
علي بن أبي طالب ” – رضى الله عنه – سيد الشهداء وسبط النبي الكريم ، ويشمل
الإحتفال بذكرى أستقرار رأسه الشريف في مسجده ” مسجد الحسين ” بالقاهرة ، وخلال
تلك الإحتفالات تخرج بعض الأحاديث حول عدم صحة ما يقال حول وجود الرأس
الحسينية ( رأس سيدنا الحسين ) في القاهرة إلا أن الرأي الثابث في هذا
الأمر هو وجودها في مسجده بالقاهرة ، فما حقيقة وصول رأس سيدنا الحسين إلى
مصر ودفنها فى ضريح الحسين بمسجده بالقاهرة ؟!
شهد
يوم العاشر من محرم عام 61 هـ فاجعة كبيرة ألمت بالمسلمين حيث قتل ”
الإمام الحسين ” – رضى الله عنه – وقطعت رأسه الشريفة ، فبعد ان استقرت
الخلافة ” لمعاوية بن ابى سفيان ” بعد تنازل ” الحسن بن على بن ابى طالب ”
عنها وبايعه هو وأخوه ” الحسين ” – رضى الله عنهم – حقناً لدماء المسلمين بعد
خلاف وقتال انتهى بالصلح ومبايعة معاوية ، وكان هذا بعد سلسلة من الصراعات
وكان من بنود الصلح أن ترجع الخلافة إلى مبدأ الشورى من جديد بعد موت
معاوية ، أى أن يستشير المسلمون بعضهم فى تحديد خليفتهم القادم تمامًا كما
كان يحدث فى عهد الخلفاء الراشدين ، وتمَّ الصلح والتزمت الأطراف به كاملة .
وبعد
فترة مات ” الحسن بن على ” وبقى ” الحسين ” ملتزمًا ببنود الصلح حتى أنه
خرج مجاهدًا فى سبيل الله مع الجيش الذى أرسله ” معاوية ” لفتح القسطنطينية
سنة 49 هـ ، ولكن الحدث الذى دفع البلاد إلى كثير من الاضطراب هو ما فعله ”
معاوية بن أبى سفيان ” قبل وفاته حيث قام ” معاوية ” بترشيح ابنه ” يزيد ”
للخلافة بعده مخالفًا بنود الصلح ورافضًا نظام الشورى الذى اتُفق على
العمل به بعد وفاة ” معاوية ” فثار الصحابة الكرام على قرار ” معاوية ”
معتبرين ترشيحه ” ليزيد ” من باب توريث الخلافة دون البحث عن الشخص المناسب
لها ، فبدأت الانشقاقات فى صفوف الدولة الإسلامية وبدأت حركات المعارضة
لحكم ” معاوية ” تظهر بين الناس فقامت معركة ” كربلاء ” التى قُتل فيها ”
الإمام الحسين ” على يد ” شمر بن ذى الجوشن ” الذى فصل رأس الحسين عن جسده فمات الحسين .
صورة تعبيرية لمعركة كربلاء |
ويجمع
المؤرخون وكتاب السيرة على أن جسد الحسين – رضى الله عنه – دفن فى مكان
مقتله في ” كربلاء ” بالعراق ، أما الرأس الشريف فقد طافوا به حتى استقر ”
بعسقلان ” ، وهو الميناء الفلسطيني على البحر الأبيض قريبا من مواني مصر
وبيت المقدس .
وقد أيد وجود الرأس الشريف ”
بعسقلان ” ونقله منها إلى ” مصر ” جمهور كبير من المؤرخين والرواد ، منهم (
ابن ميسر ، والقلقشندي ، وعلي ابن أبي بكر الشهير بالسايح الهروي ، وابن
إياس ، وسبط ابن الجوزي ) ، وممن ذهب إلى دفن الرأس الشريف بمشهد القاهرة
المؤرخ العظيم ( عثمان مدوخ ) إذ قال : إن الرأس الشريف له ثلاثة مشاهد
تزار : مشهد بدمشق ” دفن به الرأس أولا ” ، ثم مشهد بعسقلان بلد على البحر
الأبيض ” نقل إليه الرأس من دمشق ” ، ثم نقل إلى المشهد القاهري لمصر بين
خان الخليلي والجامع الأزهر حيث ” استقر الرأس الشريف بمقر مسجده بالقاهرة ”
.
مقام سيدنا الحسين بمسجد الحسين بالقاهرة |
ويقول
” المقريزي ” : إن رأس الحسين – رضى الله عنه – نقلت من عسقلان إلى
القاهرة في 8 جمادى الآخرة عام 548هـ ، وبقيت عاما مدفونة في قصر الزمرد
حتى أنشئت له خصيصا قبة هي المشهد الحالي ، وكان ذلك عام 549هـ .
وفي
شهادة للدكتور ” الحسيني هاشم ” وكيل الأزهر وأمين عام مجمع البحوث – رحمه
الله – تعليقاً على ما دسه النساخون على كتاب الإمام السيوطي ” حقيقة
السنة والبدعة ” ما ملخصه أنه قد أكد استقرار الرأس بمصر أكبر عدد من
المؤرخين ، منهم ( ابن إياس في كتابه ، والقلقشندي في ” صبح الأعشى ” ،
والمقريزي الذي عقد فصلا في خططه المسمى ” المواعظ والاعتبار ” ) ، ورواية (
ابن ميسر ) التي تقول إن ” الأفضل بن أمير الجيوش بدر الجمالي ” هو الذي
حمل الرأس الشريف على صدره من ” عسقلان ” وسعى به ماشياً حيث وصل ” مصر ”
وحلت الرأس في مثواها الحالي من القصر عند قبة ” باب الديلم ” ، حيث الضريح
المعروف الآن بمسجده المبارك ، وكذا السخاوي – رحمه الله – قد أثبت رواية
نقل رأس الحسين إلى مصر .
ولد الإمام
الحسين في الثالث من شعبان بالمدينة المنورة فى السنة الرابعة من الهجرة ،
بعد نحو عام من ولادة أخيه الحسن ، فعاش مع جده المصطفى – صلّ الله عليه
وسلم – ما يزيد عن الست سنوات ، وحين استشهد كان يبلغ من العمر سبعة وخمسون
عاماً ، ولكن كيف وصل رأس الحسين من كربلاء إلى مصر بعد استشهاده ؟
تذكر كتب التاريخ الإسلامي أنه بعد ” موقعة
كربلاء ” عام 61 هـ حيث استشهد الإمام الحسين وأهل بيته ، اجتز ” شمر بن ذي
الجوشن ” رأس الإمام الحسين وذهب به إلى ” يزيد بن معاوية ” في الشام
لينال مكافأته بولاية إحدى المدن الإسلامية ، فأمعن ” يزيد ” في فحشه وعلق
الرأس الشريف للإمام الحسين على أبواب دمشق ليزيد الناس إرهاباً ، وبعدها
يظل الرأس بخزائن السلام بدمشق بعد وفاته لينقل ويستقر كما ذكر المؤرخون
بعسقلان لمدة خمسة قرون .
وتعود رحلة نقل
رأس الحسين إلى قصة طويلة ذكرها المؤرخون الذين قالوا إن مصر تزينت وتجملت
وأضيئت المصابيح فيها لحضور رأس الحسين ، فعندما جاءت الحملات الصليبية إلى
بلاد العرب وكانوا ينبشون القبور المعظمة عند المسلمين فخشي الوزير
الفاطمي ذو الكلمة النافذة حينها ” الصالح طلائع بن زريك ” على الرأس
الشريف للإمام الحسين أن يمسه الصليبيون بسوء فأوعز بالنصح للخليفة
بالتفاوض مع ” بلدوين الثالث ” قائد الحملة الصليبية على عسقلان بدفع مبلغ
مالي كبير مقابل الحصول على الرأس الشريف وإعادة دفنه بمصر .
وبالفعل
تم الأمر وذهب الأمير الأفضل ابن قائد الجيوش ” بدر الدين الجمالي ” إلى
عسقلان ووقف على قبر الإمام الحسين حتى استقر عند الرأس الشريف فحمله على
صدره من عسقلان في يوم الأحد الثامن من جمادى ليصل يوم الثلاثاء العاشر من
نفس الشهر الموافق العام 548 هجرية أي عام 1153 ميلادياً ، وقد سار به في
موكب مهيب وكبير .
واستقبل المصريون رأس
الإمام الحسين عند وصوله إلى مصر عبر خلع نعالهم حتى لم يكن بينهم مرتدٍ
نعله ، بحسب كتب التاريخ كما استقبل المصريون الموكب بالورود والعطور ،
فيقال إنه انتشرت رائحة المسك في كافة الأرجاء التي مرت بها القافلة ، حتى
أن الحارة المجاورة لمسجد الصالح طلائع والتي مر بها الرأس الشريف ليدخل
ساحة المسجد التي دفن بها الآن استنشق أهلها عبير المسك في بيوتهم وأمتعتهم
، ومنذ تلك اللحظة وحتى يومنا هذا يطلق الجميع عليها حارة المسك .
يشار
الى أنه في عهد الخديوي إسماعيل عام 1879 م حدثت فتنة عندما قرر الخديوى
تجديد المسجد الحسيني حول حقيقة وجود رأس الإمام الحسين في مصر ، فشكل
الأزهر الشريف لجنة من ثلاثة علماء ونزلوا لعدة أمتار ٣ أمتار تقريباً
للوصول إلى حجرة الدفن التي بها الرأس الشريف للإمام الحسين بعد أن وضعوا
ستاراً على القبر فبمجرد الوصول إلى القبر وفتحه ظهرت رائحة عطرة قوية جداً
من المسك وخرجوا ليؤكدوا أن الرأس يعود له حتى قال الخديوى ” اكتفيت –
والله اكتفيت ” كما ذكر فى هذه الروايه اى انه تم التأكد من انها رأس
الإمام الحسين وتم بناء المسجد لسيدنا الحسين وتم افتتاحه فى عهد الخديوى
توفيق ، فطبقاً لهذه الرواية أيضاً فإن رأس سيدنا الحسين موجودة فى مصر .
بالرغم
من كل هذه الروايات التى ذكرناها وتؤكد وجود الرأس الشريفة بمصر إلا أن
هناك روايات على الجانب الآخر تنفى وجودها فى مصر فقد ذكر شيخ الإسلام في
مجموع الفتاوى أن رأس الحسين – رضي الله عنه – ليس بمصر وأن ذلك مقولة
افتريت في القرن السادس الهجري .
https://m.janatna.com