من هم المغول ومن هو جنكيزخان وما الفرق بين التتار والمغول وهل هما شعب واحد أم شعبين مختلفين ؟
الفرق بين التتار والمغول :
في
الحقيقة التتار والمغول شعبان مختلفان في الأصول ، وهناك بعض من أختلط
الأمر عليهم وإعتبروهم شعباً واحداً ، وسنوضح لك الفرق بينهم ، وسبب خلط
الناس بينهم فيما يأتي:
التتار :
تعود
أصول التَّتار القدماء لشعب القفجاق في تركيا، وكانوا في غالبيتهم يدينون
بالديانة البوذية، أمّا حالياً فالكثير من التتار الجدد يتبعون الدين
الإسلامي على مذهب أهل السنة والجماعة، ويُذكر أن موطنهم الأصليّ قريبٌ من
بحيرة بايكال.
وكان التتار شعباً معادياً
للمغول منذ القدم ، لذلك قام قائد المغول جنكيز خان بسبب خوفه منهم وظنه
بأنه لا يُؤتمن جانبهم ؛ بإبادتهم بالكامل إبادةً جماعيةً شبه كاملة على يد
جيشه المغولي ، ولم يبقى منهم سوى القليل من النساء والرجال والأطفال
الذين نجوا بأنفسهم من تلك الإبادة.
والتتار
القدماء كقوميةٍ عرقيةٍ انقرضوا وليس لهم وجود في منغوليا على الغالب،
والتتار الموجودون اليوم تنحدر أصولهم للمغول الذين ذابوا وسطهم عندما
استوطنوا بلادهم، وتعيش مجموعة من التتار الجدد اليوم في الفولغا، وآسيا
الوسطى، وكازاخستان.
المغول :
هم
قبائل صغيرة إجتمعوا عند نهر أونون ، ويعود أصلهم لشمال شرق آسيا ، وتم
توحيد وإخضاع هذه القبائل المغولية بمن فيهم التتار في القرن الثالث عشر
تحت حكم جنكيز خان ، أمّا اليوم فأعدادهم أصبحت كبيرةً جدا تقدر بالملايين
يعيشون في منغوليا والصين ، وروسيا وأفغانستان ، حيث يعيش معظم المغول
اليوم في تلك البلدان.
سبب إطلاق تسمية التتار على المغول و إعتبارهم واحد يعود لعدة أسبابٍ منها ما يأتي:
إنخراط
وإستيطان المغول في أرض الأتراك القفجاق والبيئة التترية و التشابه الكبير
بينهم وبين التتار في الشكل والخِلقة من قصر القامة والعيون السوداء
الضيقه والأنوف الصغيرة والجباه العريضة وكذلك تشاركهم في نفس نمط الحياة
والمعيشة والطقوس الدينية.
الإمبراطورية المغولية ، المغول :
لإدراك
حجم التحدي التي واجهته الدولة الإسلامية وجب التأكيد على أن إمبراطورية
المغول أو الإمبراطورية المغولية العالمية أو كما تعرف بمنغوليا حالياً هي
ثاني أكبر إمبراطورية في التاريخ بعد بريطانيا من حيث المساحة والأراضي
التابعة لها وتعتبر إمبراطورية المغول هي أكبر إمبراطورية متواصلة الإراضي
حيث بلغ عدد السكان في تلك الأراضي حوالي 100 مليون نسمة .
بدأت
إمبراطورية المغول في النمو منذ أن أعلن عن جنكيز خان حاكماً لكل المغول
عام 1206 و حتي إنتهائها عام 1368 ميلادية وتوسعت إمبراطورية المغول و
إحتلت أراضى تقدر ب 22% من مساحة اليابسة علي كوكب الارض حيث بلغ أقصي
إتساع لإمبراطورية المغول حوالي 24 مليون كيلومتر مربع .
المغول والتتار ومعركة عين جالوت |
وضمت
إمبراطورية المغول أراضي ودول مثل منغوليا و روسيا والكوريتين الشمالية
والجنوبية والصين والهند وإيران وكازخستان وتركيا ورومانيا وجورجيا وغيرها
حيث إنتشر المغول في معظم أنحاء العالم القديم.
من هو جنكيزخان :
ظهرت
دولة المغول في “منغوليا” في شمال “الصين” وكان أول زعمائها هو جنكيزخان ،
و “جنكيزخان” كلمة تعني ” قاهر العالَم ” أو ملِك ملوك العالَم ، وأسمه
الأصلي “تيموجين،
جنكيزخان هو مؤسس وإمبراطور الإمبراطورية المغولية بعد توليه وتوحيده القبائل عام 1206م التي أعتبرت أضخم إمبراطورية في التاريخ كأرض واحدة.
كان جنكيزخان رجلًا سفَّاكًا للدماء ، وكان قائدًا عسكريًا شديد البأس ، وكانت له القدرة على تجميع الناس حوله .
بدأ
في التوسع تدريجيًّا في المناطق المحيطة به ، وسرعان ما إتسعت مملكته حتى
بَلَغَتْ حدودها من ( كوريا ) شرقًا إلى حدود الدولة الخوارزمية الإسلامية
غربًا ، ومن سهول سيبريا شمالًا إلى بحر الصين جنوبًا.
كان لهم ديانة عجيبة هي خليط من أديان مختلِفة ، فقد
جَمَعَ جنكيزخان بعض الشرائع من الإسلام ، والبعض من المسيحية ، والبعض من
البوذية ، وأضاف من عنده شرائع أخرى ، وأَخرج لهم في النهاية كتابًا جعله
كالدستور للتتار ، وسَمَّي هذا الكتاب بـِِِِـ (الياسك) أو (الياسق).
ومن
مُنطلق عدو عدوي صديقي أرسل الصليبيون وفدًا رفيع المستوى من أوروبا إلى
منغوليا وهي مسافة تزيد على 12ألف كيلو متر ذهابًا فقط ، يحفزونهم على غزو
بلاد المسلمين، وعلى إسقاط الخلافة العباسية ، وعلى اقتحام بغداد دُرة
العالم الإسلامي في ذلك الوقت .
وعَظَّموا
لهم جدًا من شأن الخلافة الإسلامية، وذَكَروا لهم أنهم “أي الصليبيين”
سيَكونون عونًا لهم في بلاد المسلمين ، وعينًا لهم هناك ، وبذلك تم إغراء
التتار إغراء كاملًا.
تمثال جنكيزخان في منغوليا |
وقد
حَدَث ما تَوقعه الصليبيون ، سال لُعاب التتار لأملاك الخلافة العباسية ،
وقرروا فعلًا غزو هذه البلاد الواسعة الغنية بثرواتها المليئة بالخيرات .
من هو هولاكو خان :
هو
حاكم مغولي نجل الإمبراطور تولوي جنكيز خان ، ولد عام 1217م ، كان هولاكو
مولعاً بالحضارة الفارسيّة ، وبعد أن أصبح خاناً لبلاد فارس بعد تأسيسه
لعهد الخانات هناك ، ضمّ في مجلسه العديد من العلماء والفلاسفة والحكماء من
أرجاء بلاد فارس التي تتبع للدين الإسلامي.
أحتلَ
هولاكو العديد من البلاد الواقعة إلى الغرب من قارة آسيا ، وقتل الملايين
من البشر ، كلّف موناكو خان أخاه هولاكو لقيادة الجيش المغولي العظيم ،
لغزو وتدمير الدول الإسلاميّة المتبقية في الجهة الجنوبية الغربية لآسيا
عام 1255 م ، وأمره بمعاملة المستسلمين برحمة ، والقضاء على المقاومين
بشكلٍ كامل ، لكن هولاكو قام بتفيذ الجزء الأخير من الأوامر بمنتهى
الوحشيّة والقسوة، فأراد إخضاع اللور الذين يقطنون إلى الجنوب من إيران ،
وسعى إلى القضاء على طائفة الحشاشين وحاول تدمير أو إخضاع الدولة
العباسيّة.
خرج هولاكو على رأس جيش أعتُبر
من أعظم جيوش المغول التي تمّ تكوينها على الإطلاق، وبدأ أولى عمليّاته
العسكريّة عن طريق هزيمة اللور ، وبعد أن إنتشرت سمعته في أرجاء البلاد
أُصيب الحشاشون بالذعر الكبير ، فقاموا على الفور بالإستسلام وتسليم قلعتهم
الحصينة بدون معركة.
إنطلق بعدها جيش
هولاكو قاصداً بغداد ، وقبل الوصول إليها أرسل إلى الخليفة العباسي فيها
مطالباً إياه بالإستسلام ، لكن الخليفة رفض الرضوخ وأرسل لهولاكو لينذره
بعذاب الله وعقابه إن حاول الهجوم على خليفة الإسلام.
تابع
هولاكو زحفه بإتجاه بغداد وفور إقترابه من المدينة ، قسم جيشه إلى قسمين
لمحاصرة المدينة من الجهتين الغربيّة والشرقيّة ، لكنّ جيش الخليفة نجح في
ردّ بعض قواته المهاجمة من الجهة الغربيّة ، لكنه في النهاية إنهزم
واستسلمت المدينة لهولاكو وجيشه.
عندما
بلغ هولاكو السادسة والثلاثين من عمره، خرج على رأس جيشٍ هائل بعد أن عهد
إليه أخوه منكو خان دخول البلاد الواقعة على ضفاف نهر جيحون.
لتمتدّ
بعدها دولة المغول حتى الوصول إلى مصر ، حقّق هولاكو إنتصاره الأول
بالإستيلاء على قلاع الطائفةِ الإسماعيليّة بعد العديد من المعارك ، ومضى
بعدها في طريقه بإتجاه تحقيق هدفه الأخير ، الإستيلاء على بغداد بشكلٍ كامل
، والقضاء على الخلافة العباسيّة فيها ، فأرسل مهدداً الخليفة المستعصم
ومطالباً إيّاه بالاستسلام ، وتسليم العاصمة والدخول في طاعته ، لكنّ
الخليفة رفض الإمتثال لأوامره على الرغم من ضعف قوّاته.
حاصر
هولاكو المدينة ودخلها عام 1258م ، وسقطت بغداد في أيدي هولاكو وقوّاته ،
بعد أن دمرها وأحرق مكتبتها ومن شدة المجازر قيل أن نهر دجلة قد تحول الي
اللون الأحمر ، وقتل شعبها ونهبوا المدينة وأحرقوها وأسروا الخليفة ولفوه
بسجادٍ ، وبعد أن أوسعوه ضرباً داسوا عليه بخيولهم حتى لقي حتفه.
ونتيجة
رائحة الموت الكريهة التي إنتشرت في المدينة بعد هذا الدمار ، أضطر هولاكو
إلى تحريك معسكره بعيداً عنها ، وبقيت المدينة بعدها لعددٍ من السنوات
تخلو من السكان.
إنطلق هولاكو بعد بغداد قاصداً الإستيلاء على بلاد الشّام ،
وتمكّن من الاستيلاء على ميافارقين في حلب ، وواصل بعدها سيره بإتجاه
ماردين، وفي خلال عمليّات حصارهم للمدن ، كان الجيش المغولي يغزو مدناً
أخرى ويُسقطها ، وبعدها تقدّم إلى حلب التي حاصرها ونصب حولها المنجنيقات
وأمطرها بالقذائف حتى أستسلمت. تحرك بعدها الجيش المغولي بقيادة هولاكو
بإتجاه دمشق ، ولما وصل خبر إقترابهم للملك الناصر يوسف الأيوبي ، فرّ
الأخير مع قوّاته تاركاً دمشق لمصيرها ، لكن الأهالي استسلموا وسلموا
المدينة لهولاكو بدون قتال.
أرسل هولاكو
رسالة تهديدٍ للمماليك في مصر يدعوهم فيها للإستسلام قبيل تحركه من الشام،
لكن السلطان قطز لم يهتم لتلك التهديدات ، وهذا جزء من الرسالة الطويلة
التي أرسلها هولاكو إلى قطز ، رسالة هولاكو إلى سلطان مصر سيف الدين قطز :
*
إنا نحن جند الله في أرضه ، خلقنا من سخطه ، وسلطنا على من حل به غضبه ،
وأسلموا إلينا أمركم ، قبل أن ينكف الغطاء ، فتندموا ويعود عليكم الخطأ ،
فنحن ما نرحم من بكى ، ولا نرفق لمن شكى قد سمعتم أننا قد فتحنا البلاد
وطهرنا الأرض من الفساد ، وقتلنا معظم العباد ، فعليكم بالهرب ، وعلينا
الطلب ، فأي أرض تأويكم وأي طريق تنجيكم ، وأي بلاد تحميكم ، فما من سيوفنا
خلاص ، ولا من مهابتنا خلاص ، فخيولنا سوابق ، وسهامنا خوارق ، وسيوفنا
صواعق وقلوبنا كالجبال ، وعددنا كالرمال ، فالحصون لدينا لا تمنع والعساكر
لقتلنا لاتنفع ، ودعاؤكم علينا لا يسمع ،
فلا
تهلكوا نفوسكم بأيديكم ، فقد حذر من أنذر وقد ثبت عندكم أن نحن الكفرة ،
وقد ثبت عندنا أنكم الفجرة وقد سلطنا عليكم من له الأمور المقدرة والأحكام
المدبرة ، فكثيركم عندنا قليل ، وعزيزكم عندنا ذليل ، وبغير المذلة ما لكم
علينا من سبيل ، فلا تطيلو الخطاب ، وأسرعوا برد الجواب ، قبل أن تضرم
الحرب نارها ، وترمي نحوكم شرارها ،
فقد
أنصفناكم إذ راسلناكم ، وأيقظناكم إذ حذرناكم ، فما بقي لنا مقصد سواكم
والسلام علينا وعليكم وعلى من أطاع الهدى وخشي عواقب الردى وأطاع الملك
الأعلى.
كانت الرسالة بمثابة التحدي
النهائي لآخر قيادة إسلامية ، وعلى ضوء الموقف الذي ستقرر هذه القيادة
إتخاذه سيتوقف مصير عالم الإسلام وحضارته التي وضعها كدح القرون الطوال
إستدعى الأمراء ليعرض الأمر عليهم وجرى هذا الحوار :
قطز : ماذا ترتؤن ؟
ناصر الدين قميري :
إن
هولاكو فضلاً عن أنه حفيد جنكيز خان ، فإن شهرته وهيبته غنية عن الشرح
والبيان وإن البلاد الممتدة من تخوم الصين إلى باب مصر كلها في قبضته الآن ،
فلو ذهبنا إليه نطلب الأمان فليس في ذلك عيب وعار ، ولكن تناول السم بخداع
النفس وإستقبال الموت ، أمران بعيدان عن حكم العقل ، أنه ليس الإنسان الذي
يطمأن إليه، فهولاكو يتورع عن إحتراز الرؤوس ، وهو لا يفي
بعهده وميثاقه ، فإنه قتل فجأة الخليفة وعدداً من الأمراء بعد أن أعطاهم
العهد والميثاق ، فإذا سرنا سيكون مصيرنا هذا السبيل.
قطز
: والحالة هذه فإن كافة ديار بكر وربيعة والشام ممتلئة بالمناحات الفجائع ،
وأصبحت البلاد من بغداد وحتى الروم خراباً ، وقضى على جميع ما فيها من حرث
ونسل ، فلو أننا تقدمنا لقتالهم وقمنا بمقاومتهم فسوف تخرب مصر خراباً
كغيرها من البلاد ، وينبغي أن تختار مع هذه الجماعة التي تريد بلادنا واحد
من الثلاثة: الصلح أو القتال أو الجلاء عن الوطن ، أما الجلاء عن الوطن
فأمر متعذر ذلك لأنه لا يمكن أن نجد مفراً إلا المغرب ، وبيننا وبينهم
مسافات بعيدة .
قميري : وليس هناك مصلحة أيضاً في مصالحتهم ، إذ أنه لا يوثق بعودهم.
عدد من الأمراء : ليس لنا طاقة ولا قدرة على مقاومتهم ، فمر بما يقضيه رأيك.
قطز: إن الرأي عندي هو أن نتوجه جميعاً إلى القتال ، فإذا ظفرنا فهو المراد ، وإلا فلن نكون ملومين أمام الخلق.
الظاهر
بيبرس : أرى أن نقتل الرسل ، ونقصد كتبغا ـ قائد المغول ـ متضامنين ، فإذا
إنتصرنا أو هزمنا فسوف نكون في تلك الحالتين معذورين.
أيد
الأمراء المجتمعون كافة هذا الرأي، وكان على قطز أن يتخذ قراره وقد إتخذه
فعلاً وفي هذه الأثناء أراد المظفر أن يقطع كل مجال للتردد في الخروج
لمواجهة المغول ، فأصدر أوامره إلى ولاة الأقاليم المصرية بجمع الجيوش وحث
الناس على الخروج للجهاد في سبيل الله ونصرة دين رسول الله صى الله عليه
وسلم
خرج يخطب في جيشه
باكياً لتحريك مشاعرهم ، ولم ينتظر زحف المغول . خرج الملك قطز على رأس
جيشه لملاقاة المغول ، وقد إنضم لجيشه عساكر من العرب ومن الشام والتركمان
وغيرهم لمنازلة جيش المغول ، وإلتقى الجيشان في منطقة عين جالوت الواقعة في
فلسطين ، وقاتلوهم من ساعات الفجر الأولى حتى منتصف الليل ، وانتصر جيش
قطز على جيش المغول في تلك الواقعة ، وأباد جيش التتار عن آخره، وكان لحنكة
ودهاء الظاهر بيبرس الفضل الأكبر في تحقيق هذا النصر العظيم ، الذي كان له
بالغ الأثر في تاريخ المنطقة والعالم العربي.
طُرد
بعدها جيش المغول من دمشق وبغداد التي أصبحت تحت حكم المماليك ، وبفضل هذا
النصر العظيم تخلصت أوروبا من شرٍ عظيم في حال استمر الجيش المغولي في
زحفه وتحقيق إنتصاراته ، وعقد زعيم القبيلة الذهبيّة بركة خان – ابن عمّ
هولاكو – تحالفاً مع الظاهر بيبرس للقضاء على هولاكو بعدها ، بعد أن يتمّ
محاصرته من كلا الطرفين . فما كان من أمر هولاكو بعد الهزيمة ، إلاَّ أن
حاول الثأر لهزيمة جيشه في موقعة عين جالوت ، فأرسل جيشاً قويّاً بإتجاه
حلب التي أسقطها ونهبها ، لكنه هُزم بالقرب من حمص فعاد إلى ما وراء نهر
الفرات. حاول بعدها إنشاء تحالفٍ مع أوروبا ضدّ العرب والمسلمين ، وأرسل
برسالةٍ إلى الملك لويس يُعلن فيها نيّته بغزو مدينة القدس من أجل البابا ،
وطالب لويس بشن هجومٍ على مصر بوساطة أسطوله عن طريق البحر المتوسط.
مات
هولاكو عام 1265م بعد أن فشل الأطباء في علاجه وكان يبلغ من العمر ثمانية
وأربعين عاماً ، ودفن في جزيرة كابودي الواقعة في بحيرة أورميا ، وخلفه
إبنه أباقا.
معركة عين جالوت :
تعد
معركة عين جالوت التي وقعت بتاريخ الثالث من سبتمبر عام 1260م ، الخامس
عشر من رمضان 658هجرية من أهم المعارك التي عرفها التاريخ الإسلامي ، حيث
تم من خلالها القضاء على أسطورة الجيش التتري الذي لا يقهر ، و الذي لم
يسلم من بطشه أحد سواء المسلمين أو العرب بل وصل حتى الصين وبلاد فارس
وممالكها الإسلامية والأتراك؛ فكانت هزيمتهم في عين جالوت بداية نهاية
الإمبراطورية العملاقة ، ففي أحلك الظروف ظهر الملك قطز ووحد المماليك
والعرب لصد الهجوم المغولي وبفضل الحنكة العسكرية والسياسية استطاع مع
الأمير بيبرس الانتصار على الجند الذين لا يعرفون الخسارة، وتعقبوا فلولهم،
ووحدوا الشام ومصر .
عين جالوت سهل يقع في الوسط تقريباً بين مدينتي نابلس في الجنوب وبيسان في الشمال، وهي بالقرب جداً من معسكر جنين الآن .
معركة عين جالوت |
وجد
قطز رحمه الله أن سهل عين جالوت منطقة مناسبة جداً للقتال؛ لأنه عبارة عن
سهل واسع منبسط تحيط به التلال المتوسطة من كل جوانبه إلا الجانب الشمالي،
فهو مفتوح من الجانب الشمالي، كشكل حدوة الحصان .
إنتهى
قطز رحمه الله من ترتيب جيشه ووضع على فتحة السهل الشمالية المفتوحة مقدمة
الجيش القوية ، التي كان على رأسها ركن الدين بيبرس رحمه الله ، وأخفى كل
الجيش بعد ذلك وراء الأحراش في الشرق والغرب والجنوب ، وانتهى رحمه الله من
هذا الإعداد والترتيب في (24) رمضان سنة (658هـ) أي أنه كان في العشر
الأواخر من شهر رمضان ، في الشهر الذي وقعت فيه بدر وفتح مكة وفتح الأندلس.
و دارت المعركة الخالدة التي نقشت في التاريخ بأحرف من ذهب ، فيوم
الجمعة (25) من رمضان سنة (658هـ) تاريخ من الواجب على جميع المسلمين ألا
ينسوه ، فهو من أعظم تواريخ المسلمين مطلقاً ، وبشروق الشمس أضاءت الدنيا
ورأى المسلمون من بعيد جيش التتار من إتجاه الشمال بقيادة كتيغا ، جاء
الجيش التتري المهول الذي سيطر علي أراضى شاسعة من العالم ، وأسقط نصف
العالم الإسلامي ونصف أوروبا ، بدأت القوات الإسلامية بعد أن أشار لهم قطز
تنزل إلى سهل عين جالوت بالتدريج أمام الجيش التتري ، نظر كتبغانوين إلى
القوات الإسلامية فوجدها قليلة ، فأراد أن يحسم الموقعة من بدايتها ، صحيح
أنهم كانوا في هيئة حسنة ، ومنظرهم مهيب عند كتبغا وعند جيش التتار ، ولكن
أعدادهم قليلة ، فأراد أن يحسم الموقعة بكاملها ، فدخل بجل جيشه أو كله إلى
سهل عين جالوت ، وهذا تماماً ما كان يريده الملك المظفر قطز .
حتى
إذا إقتربت جموع التتار من مقدمة الجيش الإسلامي أعطى القائد المحنك
الظاهر ركن الدين بيبرس رحمه الله إشارة البدء لرجاله ، وإحتدمت المعركة
وإشتد القتال .
وكانت
هذه من أكبر المواقع في تاريخ الأرض، وكانت هذه الفرقة المملوكية من أفضل
فرق المسلمين ، وقد أحسن قطز إختيار أفرادها واحداً واحداً ، حتى تستطيع أن
تقف هذه الوقفة الجسورة أمام هذه الجحافل وثبتت القوات الإسلامية ثباتاً
رائعاً .
وكان
الجزء الثاني من الخطة عبارة عن محاولة سحب جيش التتار إلى داخل سهل عين
جالوت، ويا حبذا لو سُحب الجيش بكامله! بحيث تدخل قوات التتار في الكمائن
الإسلامية تمهيداً لحصارها والقضاء عليها.
وبدأ ركن الدين بيبرس في تنفيذ مهمة صعبة جداً ، فكان عليه أن يُظهر الإنهزام أمام التتار ، ويتراجع بظهره وهو يقاتل .
و
جاءت إشارة البدء من قطز ، ونزلت الكتائب الإسلامية العظيمة من خلف التلال
إلى ساحة المعركة من كل جوانب الميدان ، بل وأسرعت فرقة عسكرية قوية لتغلق
المدخل الشمالي لسهل عين جالوت ، وبذلك في دقائق معدودات أحاطت القوات
الإسلامية بالتتار إحاطة السوار بالمعصم ، فقد حصر التتار في داخل سهل عين
جالوت ، وبدأ الصراع المرير في واحدة من أشد المعارك التي وقعت في التاريخ
بصفة عامة ، فقد كانت حرباً ضارية بشعة .
كان
قطز يشاهد ويقود ، ويدفع بقوات إضافية إلى الجيش ، ولكن الموقف تأزم جداً ،
وهنا لم يجد قطز إلا حلاً واحداً لا بديل له ، فقرر أن ينزل بنفسه إلى
ساحة القتال ، ويُثبت لجنوده بالطريقة التي إعتادها معهم أن الجهاد في سبيل
الله عز وجل أُمنية ، وأن الموت في سبيل الله مطلب لكل مسلم صادق و خلع
خوذته وألقاها على الأرض؛ تعبيراً عن إشتياقه للشهادة وعدم خوفه من الموت ،
وأطلق الصيحة الشهيرة التي قلبت الموازين تماماً في أرض المعركة ، فصرخ
قطز رحمه الله بأعلى صوته والجميع يسمع وا إسلاماه! وا إسلاماه!
و
هنا قرر الجيش التتري الهروب و بدئوا بفتح ثغرة و الفرار منها نحو منطقة
“بيسان” فلحق بهم جيش المسلمين ، لتدور موقعة أخرى عند بيسان ، أجمع
المؤرخون على أنها أصعب من عين جالوت وقاتل التتار قتالاً رهيباً ، ودافعوا
عن حياتهم بكل قوة ، و بدأت جحافل التتار تتساقط كالذباب على أرض بيسان ،
وقضى المسلمون تماماً على أسطورة الجيش الذي لا يُقهر ، وإرتفعت راية
الإسلام وتهاوت راية التتار.
وجاءت
اللحظة التي انتظرها المسلمون منذ أربعين سنة أو يزيد ، {وَيَوْمَئِذٍ
يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ
الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الروم:4 – 5]
إنتصر
جيش المسلمين في موقعة عين جالوت وفني الجيش الذي إجتاح نصف الكرة
الأرضية، وسفك دماء الملايين وخرّب مئات المدن ، وعاث في الأرض فساداً ،
وإنتصر الجيش الإسلامي العظيم.
قتل قطز في 17 ذي القعدة 658 هجري، الموافق في تاريخ 1260/10/24 م
https://m.janatna.com